اليمن والجنوب العربي في مؤتمر لندن

بوظبي – لندن " عدن برس " : 14 – 1 – 2010

إضغط على هذا الشريط هنا لعرض الصورة بكامل حجمها .

توحـي كـل الغيـوم التي تلبـدت في سمـاء اليمـن نهاية السنـة الماضيـة أن العـام الحالي سيكـون حافلا بتحديـات حقيقـية لم يعهـدها نظام صالح في سنـواته الطـوال. وقـد استهل العام الجـديد بدعوة هامـة أطلقهـا رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون لمؤتمـر دولـي للوقـوف إزاء الوضع الخطير في اليمن والذي بات يهـدد الأمـن الدولي والسـلام العالمي وفقا لتصريحات المسئولين في أمريكا وبريطانيـا.

ولا شك أن مثل هذه الدعـوة للمؤتمـر الدولي كانـت صادمـة ً للرئيـس علي عبدالله صالح وأركان حكمـه ، فبريطانيا أطلقـت دعـوتها دون تنسـيق مسبـق أو تشـاور مع الحكومة اليمنية أو حتى إبلاغ لها وهو مافـرض على حكومة صالح ابتـلاع الإهـانـة وإعلان قبولها الدعـوة ثم أخـذت تتواصل مع الحكومة البريطانية لمعرفة الغرض من المؤتمروجدول أعماله والأطـراف المدعـوة لحضوره، الخ.
من يخشـى مؤتمـر لنـدن؟
لما كانت الدعـوة للمؤتمـر قـد ارتبطـت بفكـرة مكافحـة الإرهـاب في اليمـن وهي عبارة بالغـة العمومية ، فقـد أثارت قلقـا شـديدا لـدى عـدة أطـراف سياسيـة . ويشـتـرك كثـيرٌ من قيـادات النظام والتجمـع اليمني للإصلاح في الخـوف والفـزع من خـروج مؤتمـر لنـدن بخطـوات عمليـة للقضـاء على خلايا " القاعـدة " في اليمن ، ذلك أن هـذه القيادات تعتـبر الحاضـن الأساسي والداعم والحامي للقـوى الإرهابيـة.
ولهـذا لاغـرابـة أن نرى إجماعا بيـن إعـلام السلطـة وصحيفـة أخبار اليـوم الصادرة عن مطبـخ علي محسن الأحمر وكـذلك أميـن عام الإصلاح عبد الوهاب الآنسي الذي يتحدث بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن إخوانـه عبد المجيـد الزنـداني ومحمـداليـدومي وغيرهم . . نقـول لاغـرابـة أن نرى إجماعا بين كل هؤلاء على التحذير من المبالغة في" تضخيـم "وضـع" القاعـدة " في اليمن ، فهؤلاء هم متعهدو العناصرالأرهابية وهـم الموظف لهـا في مشـروعـهم السياسـي والمستفيـد منها.
- لقـد جـُـلـب الآلاف من عناصـر " القـاعـدة " من أفغانستـان الى اليمـن على يـد الزنـداني للمشاركة في محاربـة الشـريك الجنوبي في الوحـدة بهـدف القضـاء على مشـروعه الوطنـي في بناء الدولة الحديثـة ، واحتـلال الجنـوب ونهـب ثـرواتـه والإنتصـار للمشـروع الديكتـاتوري الظلامي الذي يفرضـه ويحميـه النظـام وقيـادات تجمـع الإصـلاح.
- وقتـل السياسي البارز جـار الله عمـر على يـد متطـرف متشـبع بالفكـر الإرهابي "للقـاعـدة".
- جـرى مؤخـرا التخلـص من صـف كـامل من القيـادات الأمنيـة الحضـرمية كانت تخـوض معركة مع الإنفـلات الأمني وتقـاوم رعـاة التهـريب والعابثـين بمصالح أهلهـم في المحافظـة ، وسجلـت القضيـة ضـد " القاعـدة " .
- يسعـى النظـام وقيـادات الإصـلاح بكـل ماأوتـوا من قـوة الى ربـط الحراك السلمي الجنوبي بنشـاط " القاعـدة " الإرهابي من أجـل تأليـب القـوى الدوليـة عليـه وتهيئـة المجـال لضـربه عسكريا وتصفيته.
- كما يسعـى النظـام وقيـادات الإصـلاح الى خلق صلـة تعسفيـة بين " القاعـدة " والمواجهـة المسلحة من جانـب أهالي محافظـة صعـدة.
إذا ً غـدت " القاعـدة " وسيلـة رئيســية توظفهـا وتستثمـرها قيـادات السلطة والتجمـع اليمني للإصلاح في مشروعها السياسي الديكتـاتوري الظلامي ، ولهـذا فهـي تخشـى أشـد ماتكـون الخشيـة من هجـوم دولي على حـركة " القاعـدة " في اليمـن تفقـدها ورقـة رئيسـية طالما لعبـت بها واستثمرتها في تصفيـة حساباتها مع خصـومها.
كيف تبلـورت فكـرة التحـرك نحـو المؤتمـر؟
على الرغـم من أن اليمـن يعانـي من حرب طاحنـة في محافظـة صعـدة منـذ منتصـف عام 2004 ثم بـدأ حراكنا الجنـوبي المبارك خطـواته الأولى مطلع عام 2006 ، إلا أن كل ذلك لم يـكـن كافيـا لأن يديـرالعــالم وجهـه قليـلا الى الـوراء لينظـر ماذا يجـري في هـذه البـلاد حتـى خــرج الـرئيـس علي سـالم البيض من منفـاه في عمـان ميمـّما وجهـه صـوب أوروبـا وصــدح بالمشـروع الوطنــي لشعبنا المتمثـل في فـك الإرتبـاط واستعـادة الدولـة الجنـوبيـة. وكانـت أوساط عربيـة ترى أن عـودة البيـض الى السـاحة السياسـة له صلـة بتنسـيق عمانـي – قطـري موصـول بتحالـف مع قـوة اقليمية كبيـرة ، فأثـار ذلـك قلقـا عظيما لـدى تلك الأوساط العربيـة التي باتـت تخشـى نجـاح مشـروع فــك الإرتبـأط ومن ثـم تمتـع ذلك التحالـف الإقليمـي بضـم الجنـوب الى صفـه بموقعـه الإستراتيجي على باب المنـدب وخليـج عـدن والبحـر العـربي.
وكانـت كلمة " الرياض " تحت عنوان " لكي لاتحـدث الكارثة في اليمن" هي الفاتحة نحـو الدعـوة والتنســيق لتحـرك عربـي يحتـوي الوضع في اليمـن ويحكـم السيطـرة عليه ويحفظـه بعيـدا عن التجاذبـات الإقليميـة .
كتبـت صحيفة الرياض تقـول: " مايحـدث في اليمن شأن داخلي أولا وأخيـرا ، لكن مجرى الأحداث القائمـة تجعلـه عربيـا وبتحـديد أدق ، خليجيـا ، فأي انزلاق الى المجهـول سواء حدث انفصال بين الشمال والجنـوب ، سوف تكون زوابعه كزلـزال هائل على أمن المنطقة كلها." وتتساء ل الصحيفة: ماهـو المطلـوب؟ ثم تـقتـرح الـرد: " اجتماع القيادات الخليـجية مع الرئيس اليمني وكل أطـراف النـزاع ربما يطـرح الحلـول ". ثم تذهـب الى التحـذير من الإهمال والتجاهل: " وقبـل أن تحـدث الكارثـة هل نـرى ونسمـع استجابات سـريعـة وعلى أعلى المستـويات ؟ "(24 إبريل 2009 ).
ثم جاءت صحيفـة " الوطـن " السعـوديـة لتعبـر عن قلـق متنـام ٍ لـدى جيـران اليمـن من " أزمات اليمن التي غـدت تطفـو على السطح " والتجاهل العربي لها. كتـبت الصحيفـة : " مايحـدث في جنـوب اليمـن لم يحـظ بعد بالإهتمام العربي والدولي المطلـوب رغم عمق الأزمة وجديتها على كل الأصعـدة ". ثم أخـذت الصحيفـة تنـبـه المجموعة العربيـة الى أن ثمـة أيـادي خارجيـة تتحرك على الساحـة اليمنيـة: " المتابع للشـأن اليمني يستطيـع استنـباط الدور الكبيـر الذي يبـدو أن لعـدد من الأطراف الخارجيـة يـد ٌ فيـه ، فالتمـرد في الشمال وأخيـرا الحراك الجنـوبي ماكـان لهما أن يأخـذا هـذا الزخـم دون وجـود داعـم أو مؤيـد خارجـي خاصـة وأن مثـل هـذه التحركـات تحتاج قبل كـل شيء الى التمويل." وإذ توجـه الصحيفـة اللوم للدول العربيـة أنها تؤثـر السكـوت ومتابعـة مايجـري حتى تنجلي الغمـامة ، فإنها تحـذر: " إن أزمـة اليمـن إذا لم يتـم التحـرك سريعا لمعالجتها ستستمـر في التدحـرج كـكـرة الثلج. " ثم تختـم حـديثها بدعـوتهـا : " التحـرك العربي مطلـوب على وجـه السرعـة على الأقـل لتوضيـح خريطـة المصالح الاستراتيجية هناك ولفتـح نافـذة لتحـرك ما يستطيع رأب الصـدع ." ( 26 يوليو 2009).

نعـم ، هناك طرف عربي يشعـر بالقلـق مما يجـري ، خاصة في جنوب اليمـن وهو يـدعو الأطراف العربية الى التحـرك ، ودون الدخـول في تفاصيـل نستطيـع القـول إن المهمـة قـد أوكلـت الى الدولة العربية الكبرى مصـر ، وأن الملـف قـد سلـّـم لهـا ، فأرسـل الرئيس مبارك وزيـر خارجيته ورئيس استخبـاراتـه الى صنعـاء لإقنـاع صالح بضــرورة التجـاوب مع المبـادرة العربيـة لجمـع الطرفيــن الشمالي والجنـوبي لحـل المشكلـة الجنوبيـة في إطاردولـة الوحـدة وكـذا إيقـاف الحـرب في صعـدة. وحين كان المســئولان المصريان الكبيـران قافليـْـن الى القاهـرة كان أميـن عــام الجامعـة العربيـة السيد عمرو موسـى في طريقـه الى اليمـن حاملا الرأي العربـي والمبادرة العربية .
لكن التحـرك العربي اصطـدم بفهـم صالح الثابـت أن الإعتراف بالمشكلة الجنوبية يعني العودة الى ماقبل 22 مايو 1990 ( " المؤتمر نت " ، 14 مارس 2009 ). وبـدلا من التقاط المبادرة العربيـة والتجـاوب معهـا أرسـل صالح وزيـر خارجيـته الى مصـر ليعلـن عقـب لقـائه بالرئيس مبــارك أن حكـومـة صالح غيـر مستعـدة للحـوار مع الجنـوبيـين.
وهنا لم يكـن أمـام المصـرييـن الذين لم يظهـروا متحمسـين أصلا للتـدخـل في شـأن صالح ومشاكله ســوى أن يقـولوا كلمتهـم في صحيفـة "الأهـرام " القاهـريـة. يقـول رأي "الأهرام " تحت عنــوان " انقذوا اليمـن" : " لابـد من تحـرك سـريع من أية جهـة موثـوق في نزاهتها وحيادها للوساطة بين الحكـومة والمتمردين الحوثيين في اليمن وبين الحكومة وقيادات الجنـوب الذين بــدأت دعــاواهم للإنفصال تتزايد ، حتى يتم احتواء الموقف قبل وصوله الى حالة اللا رجعة ". وتختتم " الأهرام " رأيها بالقـول إنه إذا لم يتم التعاون " مع الوساطة العربية – كما اعتـدنا في الماضي _ فلا بد من تدخل وسيط دولي أو من الدول الكبرى ذات النفوذ لحل المشكلة وإعادة الإستقرار الى اليمن الذي يشــرف على أهــم ممــر بحــري للتجـارة العالميــة خاصة البترول لأن ذلك في مصلحة الجميع". ( "الأهرام" ، 22 أكتوبر 2009 ).
فشل الوساطة العربية يفتح الباب أمام مؤتمـرلنـدن
أدرك نظـام صنعاء الجهـود الحثيـثة التي تبـذلها المملكة السعودية للضغـط عليـه عربيــا بهـدف محاصـرة عناصر "القاعـدة" ووضـع حـل ّ للحـرب المشتعلـة على حـدودهـا والبحـث عن حـل ّ للقضيـة الجنـوبيـة يبعـدها عن التجاذبات الإقليميـة. فتحـرك رجـال "القـاعـدة" آملين خلـط الأوراق ووصلوا الى دار الأمير محمـد بن نائـف ولكن المحاولة فشـلت . فجـرى التعـويض بإقحـام المملكة في حـرب صعدة من أوسع أبوابهـا وكان ذلك مكسبا عظيما لصالح لم يتمالك نفسه من إبـداء غبطته به حين صرح أن الحرب مع الحوثيـين إنما ابتـدأت منـذ دخلت السعودية طرفا فيها.
كان أمـل صالح أن تظـل الرياض منشغلة الى أطـول مـدى بالتورط في هـذه الحرب ، غير أن حكومة المملكة أفسـدت عليه رغبتـه فأخـذت بحكمـة التهـدئـة على أمل معالجـة الأسباب الحقيقيـة لتلك النزاعـات في اليمـن.

إذا ً أخفـق صالح في التجـاوب مع المبادرة العربيـة ففشــلت وحاول اللعب بما تبقى بيـده من أوراق وتتويـه الموقـف العربي في نزاعـاته الداخلية ففشـل أيضا ولكن هـذا الفشـل فتـح الباب واسعـا أمام التدخـل الخارجي كما حذرته القاهـرة.
كانـت زيارة وزير الخارجية السعودي الى واشنطن في ديسمبر الماضي ملموسـة من حيـث إشارة الخارجيـة الأمريكيـة الى أن الحـديث بين كلينـتون والفيصـل تركـز حـول الملف اليمـني. وقـد بلـغ القلـق الدولي مـداه من تـدهـور الأوضـاع الأمنيـة والسياسيـة والإقتصادية في اليمـن وعـدم تجاوب صالح مع أي مبادرات للحـل. وهـذا ليـس مستغـربا ، ذلك أن أي حـل للقضية الجنـوبية سـواء كان ذلك الحـل بفـك الإرتبـاط أو بنظـام حكـم فيـدرالي في إطار الوحـدة ، يتعـارض جـذريـا مع خطـط صالح للبقـاء في ســدة الحكـم الى ماشاء الله ثم توريـث الحكـم من بعـده لنجله وأفراد أسرته. وكانت الضربات الأمريكية لعناصر"القاعـدة" في اليمن قـد بـدأت حيـن تسلل الشاب النيجيـري عمر فاروق عبـد المطلـب الى متـن طائرة "نورث ويسـت "الأمريكية حاملا عبوة ناسفة بغـرض تفجيـرها فـوق أجـواء مدينـة ديتـرويـت الأمريكيـة يوم احتفـال الغـرب بعيـد ميـلاد السيد المسيح. وكان الكشـف عن صلـة ذلك الشاب برجال القاعدة في اليمن وتجهيـزه وتدريبـه على استعمال تلك المتفجـرات لديهـم كافيـا لاتخـاذ القـرار الدولي بالتـدخـل في الشـأن اليمنـي حيث أخفقـت حكومتـه في تطهيـر أرضها من العناصـر الإرهابيـة وفشـلت في رعـايـة المصالح الدوليـة.
مؤتمـرلنـدن والقضيـة الجنوبيـة
تــُرى ماذا يحمـل مؤتمـر لنـدن لشعـبنا الجنـوبي التواق الى الحريـة والإستقلال؟
إن القراءة الفاحصـة للمواقـف الإقليميـة والدوليـة تــُـظهـر أن هذا المؤتمـر سيكـون خطـوة هامـة على صعيـد وضـع القضيـة الجنـوبيـة لأول مرة على طاولـة الحـوار الدولي. وعلى الرغم من أن حكومة صنعـاء تبشـر زبانيتهـا أن مؤتمـر لنـدن لـن يخـرج عن إطـار التعـاون الأمني إلا أن كثيرا من التصريحات الأمريكية والبريطـانيـة لاتتـرك مجالا للشـك بأن قضـايا ومشكلات اليمن المختلفة ستكـون على طـاولـة المؤتمــر وفي مقـدمتهـا القضيـة الجنوبية وحـرب صعــدة وملـف التنميــة الإقتصادية والإصلاح السياسي. إن نظام صالح يقـف في هـذا المؤتمـر لأول مرة أمام إرادة دوليـة تقـدم مشاكل اليمـن بأجمعهـا رزمـة متكاملـة كـي تخضـع لإجـراءات إصـلاحيـة شـاملة غرضهـــا تجنـيب البـلد وبالتالي المصـالح الدوليـة تبعـات فشـل النظـام. إن هـذا المـؤتمـر هـو وقـفـــة دوليـة الغـرض منها القول لصالح لن نتـركـك تتحكم في هذا الجـزء من العالم بطريقتـك العبثية ما يعـرض مصالح العالم للخطـر.

وماذا بشـأن فـك الإرتبـاط؟
بعـد العرض الموجز الذي قدمناه عن الجهات التي وقـفـت خلف التحرك الدولي لعقـد مؤتمر لنــدن يكـون من الواضـح أن الحـديث يتـركـزحاليا على البحـث عن شـروط لحـل المشكلـة اليمنيـة تضـع في المقام الأول المصـالح الإقليميـة والدوليـة ، وضمـن هذا الإطار يتـمّ النظـرالى قضيـتنا الجنوبية كجـزء من قضيـة اليمن الموحـد. لكن مـؤتمـر لنـدن لا يظهـر من ملامحـه أنه سيــذهـب الى ماهـو أبعــد من ذلك في تعاملـه مع قضيـة شعبنـا في الجنـوب ، فـالحـريـة كما يعلمنـا التـاريخ لاتــُوهــب والاستقلال لايـُمنــح ولا يـُـقـدّم على طبـق من ذهـب.



الإمارات العربية المتحدة - أبوظبي