بقلم : زيد ابوزيد
قديماً قال شاعر عربي :
لا يصلح للناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
تصفو الأمور بأهل الرأي إن صلحت
فإن تولوا فبالأحلام تنقادُ
على فكرة أخي القارئ (سراة القوم:كبراؤهم الحكماء)
وإنما طرحت هذه المقدمة الشعرية وأنا أرى ما يعانيه اليمنيون الجنوبيون من قهر في سبيل من ناضلوا من أجله وهو تحرير بلدهم، ثم تحقيقهم ما كانوا يصبون إليه مع الوطن الأم في الشمال فالأمل الذي ناضلوا من أجله انقلب عليهم وبالاً حين فهم الأخوة في الشمال أن الوحدة تعني تسلط القبيلة على النظام ,وعقلية . وما أنا من غزيه ان غويت غويت. على الفكر والتنوير والثقافة, دون أن يأخذوا بعين الاعتبار أن إخوتهم الجنوبيين قدموا آلاف الضحايا والشهداء في سبيل الحرية.
نعم أخي العربي أنت أخي , لكن الإخوة تقتضي العدل , تقتضي أن تأخذ حقك من أبي وأبيك وهو الوطن وتعطيني حقي , لا أن تتسلط علي وتلغي وجودي لا شيء إلا لأنك أخي الكبير , كما كان يفعل الجاهليون حين يرث الأخ الأكبر حتى نساء أبيه والشواهد على ذلك كثيرة , ألم تفشل الجمهورية العربية المتحدة التي ناضل من أجلها العرب عامة والمصريون والسوريون خاصة , لا شيء إلا لأن الأخ الأكبر مارس الفوقية على أخيه الأصغر , فمزق السوريون ميثاق الوحدة وهم يبكون , إنني أخشى أن تتكرر التجربة في اليمن فيعود يمنيين لأن طلاب السلطة والتسلط وأرباب القبلية يقهرون إخوتهم , وينظرون إليهم كأناس خارجين عن القانون كلما طالبوا بأبسط الحقوق . حتى صار الجنوبي في كثير من الأحيان يلعن اليوم الذي التقى فيه بأخيه في الشمال . نعم أخشى عليك أيها اليمن الذي أرجو أن تكون سعيداً كما وصفت قديماً. بوحدتك وقوتك وعدلك وبعدك عن القبلية وعقلية الصوت الواحد والقبيلة الكبرى المسيطرة.
والآن لا بد أن نلقي الضوء على جنوب اليمن ونضاله من أجل التحرر والوحدة وما تبع ذلك من نفور من هذه الوحدة وذلك على النحو التالي. نعم لقد كان للجنوب متمثلاً فيما بعد بجمهورية اليمن الجنوبية الديمقراطية الشعبية فيما بعد ،دور حاسم في طرد وكنس الاستعمار البريطاني من الجنوب اليمني بعد ثورة 14أكتوبر/تشرين أول 1963إبان نهضة حركات التحرر العربي بقيادة الزعيم العربي المصري جمال عبد الناصر رحمه الله ، وبعد هذه الثورة المجيدة أعلن أول رئيس للجنوب العربي قحطان الشعبي قيام دولة أسماها لأجل الوحدة مع الشطر الشمالي ( جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ) ، ثم تغير اسمها إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية إبان إعلان الحزب الاشتراكي كحزب شمولي يحكم الجنوب ، وكان هاجس مثقفي اليمن الجنوبي كما هو اليمن الشمالي الوحدة ،فتذوق الشعب في اليمنين الكلمة ومعناها باعتبارها حلماً جميلاً يداعب مخيلة الأحرار العرب في كل زمان ومكان ، كجزء جوهري من الهوية لا يمكن شطبه أو تجاوزه.
لقد ناضل الجنوبيون لأجل الوحدة مع الجمهورية العربية اليمنية ( اليمن الشمالي ) ،كما ناضل آباؤهم لأجل الوحدة كأساس للوحدة العربية الشاملة ، و جاء العام 1990 و أعلنت الوحدة ، وكانت للأسف وحدة تخفي تحت الرماد جمراً مشتعلاً ينتظر هبة الريح للاشتعال،وحملت الأعوام الأربعة التالية مظاهر مسلحة كما حملت دعوات تكفير الشمال للجنوب واتهام الجنوب للشمال بالجهل والتخلف حتى العام 1993 عندما وقع الطرفان في العاصمة الأردنية عمان ما عرف باتفاقية العهد و الاتفاق، و لكنها كانت اتفاقية على الورق فقط ،فقبل أنْ يجف حبرها بدأ احتلال الجنوب بالقوة العسكرية ، وبالمقابل أعلن الجنوب فك الارتباط مع صنعاء ، كان هذا في 21/5/1994 .
وفي خضم الانفصال والوحدة أريقت الدماء كما ارتكبت الجرائم لنعود ونطرح السؤال:متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً. ومتى يعود الحوار بديلاً عن فوهات البنادق والعدل بدل قرع طبول الحرب،ثم أنَ شعار الوحدة لا يعني إجبار الناس على قبوله عنوة فالقرار للشعب تحت كل الظروف،وربما وجدَ من تبنى ،أو حتى تاجر بهذا الشعار،و من أساء إلى الفكر القومي ككل, غير أن هذا المبرر غير كافٍ لمجافاته ومحاربته وإلا لكان لزاما علينا أن نتخذ ذات الموقف من العقائد والأديان على مر العصور،فالوحدة مطلوبة ولكن التفاهم حولها أيضاً مطلوب،وإلاَ فإنَ مصيرنا المتاهات والمؤامرات ،وسيطرة اليأس والصراعات، في وقت تفتت فيه عرى المجتمعات واختفت قيمها وأخلاقها, واضمحلت تقاليدها وأعرافها, وجفت المودة وصلة الرحم بين أسرها, وتحطم كيان الأمة وغابت فيه المبادئ، وتصاعدت التهديدات التي تواجه المنطقة العربية،فكيف السبيل لتتلاحم الشعوب لنبدأ من جديد بتسطير فجر عربي جديد؟، هذا سؤال كبير تتجه فيه الأنظار عادةً إلى الوحدة كأساس،علَّها تدفع الخطر ،و تضع حداً لاعتداءات القوى المعادية، وقبلة تبني عليها الشعوب العربية آمالها العريضة ،فالدين واحد و اللغة مشتركة، و الدم من نفس الوريد، والتاريخ و الأرض والآلام واحدة،والمستقبل على ذلك،بالتأكيد واحد.
والخلاف على الوحدة اليمنية لا يعني رفضها،ولكننا نتمناها وحدة شعبية حتى تدوم،ففكرة بلد عربي واحد يضم كل الدول العربية فكرة قاتل القائد الملهم العقيد معمر القذافي من أجلها،و كانت ليبيا معه مبادأة ومبادرة في طرح مشاريع للوحدة العربية ، وقامت بإزالة بوابات الحدود مع الأقطار العربية المجاورة ، وهي تضع دائماً مسالة الوحدة في طليعة أهدافها،باعتبارها الحامي من المحن والكوارث فمتى تتفتح أدمغتنا مغلقه ، فالألم يدمى القلب حتى النزيف الموجع، عندما يفكر العربي بأنه لم يبق للأمة العربية سلاحا تدافع به عن كرامتها وشرفها ودينها ومقدساتها وكيانها الإنساني ومكانتها في الساحة الدولية، ولا يوجد عربي عاقل يدرك حقائق الحياة الدولية ،وهل يا ترى يفكر العرب بحال أبائهم وأحفادهم عندما ينضب النفط من منابعه، ويحتاج إلى مليون سنة لتعويضه؟ ،ترى هل يفكر قادة أوروبا وأمريكا بأصدقائهم العرب ومصيرهم ومصير نفطهم إذا قامت دنيا العرب ولم تقعد من أجل حائط البراق والقدس، يوم لا ينفع النفط وهو يحترق؟ ، فكيف نفسر هذا الشلل العربي، وانعدام المبادرة وفقدان الاختيار؟.
وأخيراً فإنَ ما يعانيه اليمن وأبنائه من انقسامات قبلية مرة ومذهبية مرة أخرى ،ومناطقية في المقام الأخير لدليل على قصر النظر في الإستراتيجية اليمنية النابعة من شلل الإستراتيجية العربية ،ومن هنا بدأت مقالتي لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا ،فأين أهل الرأي والحكمة والعدل؟!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق